آلات تستخدم لضبط وقياس مرور الوقت أو للإشارة إليه. وهي نوعان: ساعات كبيرة تعلق على الحائط، وهي تثبت عادة في مكان واحد، وساعات صغيرة وهي أصغر من الأولى وتحمل في الجيب أو تلبس في اليد. ويتطلب كلا النوعين من الساعات مصدر طاقة ووسيلة للتحكم ومؤشرات لتسجيل مرور الوحدات الزمنية.
ومصدر الطاقة في الساعة يكون بإحدى اثنتين الزنبرك أو ( الرقاص ) أو تيار كهربائي. وباستثناء الساعات الكهربائية أو الإلكترونية، لا بد من إجراء تعديلات من حين لآخر مثل رفع الرقاص أو شد الزنبرك. وفي هذا النوع من الساعات، يتم التعرف على الوقت من خلال صوت الساعة حيث يرن جرس كما يظهر للناظرين من خلال دوران عجلات تحمل أرقاما أو من خلال وضع عقارب الساعة على القرص. أما في الساعات الكهربائية والإلكترونية فيظهر الوقت من خلال عرض أرقام.
وفي الساعات التي تدار بالزنبرك، تحتفظ الساعة بالطاقة من خلال سلسلة تروس كما أنها مزودة أيضا بعجلة توازن تنظم قوة الدفع. وفي الساعات التي تدور تلقائيا، يشد الزنبرك أتوماتيكيا عن طريق رقاص مثبت على دوار يستجيب لحركات ذراع من يلبس الساعة.
تاريخ الساعات
وتعد الساعات المائية هي البداية الحقيقية للساعات الميكانيكية. وقد استخدمت الساعات المائية في مصر إبان الألف الثاني قبل الميلاد، وكانت معظم هذه الساعات المائية تستخدم لقياس مدة معينة من الزمن دون الاهتمام بقياس أجزائها أو تدرج انقضائها، فكان الخطيب مثلا يمنح مهلة للكلام تنقضي بفراغ محتويات قارورة ذات سعة معينة.
وقد صمم المصريون ساعاتهم المائية في شكل أسطوانة بها ثقب من أسفل يسمح بمرور الماء بصورة تدريجية، وعلى الأسطوانة خطوط تدل على الساعة بصورة تدريجية كلما انخفض مستوى الماء فيها، وهناك نوع آخر من هذه الساعات يعتمد على الامتلاء، حيث يسقط الماء فيه تدريجيا من إناء آخر.
وقد أخذ اليونان هذا الاختراع وأجروا عليه بعض التعديل لغرض ضبط سرعة التفريغ والتمكن من متابعة انقضاء الوقت، وكان أشهر من قام بهذا التعديل عالم سكندري يدعى كتيسبيوس عاش في النصف الأول من القرن الثاني قبل الميلاد (270-246 ق.م). وكان كتيسبيوس من أشهر علماء الفيزياء والتكنولوجيا في العصر السكن دري. وقد أدرك كتيسبيوس أن سرعة التفريغ في الساعة المائية تظل ثابتة إذا بقي ارتفاع الماء فوق فوهة التفريغ ثابتا، وأن يكون قطر فتحة التفريغ ثابتا أيضا، إذ أن فتحة التفريغ تتعرض للانسداد إذا كان الماء قذرا أو يحتوي على أملاح قابلة للترسيب مثل كربونات الكالسيوم، كما أنها تتسع نتيجة التآكل بمرور الوقت وبفعل الماء. ويمكن تجنب الحالة الأولى باستخدام ماء نقي، والحالة الثانية بصنع فوهة تفريغ من الذهب أو من معدن صلب مثل العقيق ويتكون من أكسيد السيليكون، ويوجد على هيئة أحزمة مستقيمة أو متموجة أو دائرية أو غير منتظمة.
وبجانب الساعات المائية كانت هناك ساعات رملية، وهي تقيس الزمن بنفس فكرة الساعات المائية، ويستخدم فيها الرمل بدلا من الماء. وهي تستخدم في الغالب لقياس مدة معينة من الزمن دون الاهتمام بقياس أجزائها أو تدرج انقضائها.
صناعة الساعات عند المسلمين
اهتم المسلمون بالساعات لأجل تحديد أوقات الصلاة والأعمال الفلكية وغيرها منذ بداية الدولة الإسلامية. وقد شاع استخدام الساعات المائية الدقاقة في كل أنحاء الدولة الإسلامية. وكانت من عجائب الدنيا في ذلك الوقت، وكانت مقصد الزوار والرحالة.
وقد ذكر الجاحظ في كتابه الحيوان أن حكام المسلمين وعلماءهم كانوا يستعملون بالنهار الأسطرلاب ، وبالليل البنكامات وهي الساعات المائية الدقاقة. وكان هناك نوعين منها، نوع كبير الحجم وتملأ معداته غرفة كبيرة، والآخر صغير قابل للنقل ويسمى صندوق الساعات، وتمثل الساعة التي أهداها هارون الرشيد إلى شارلمان ملك فرنسا أعجوبة ذلك العصر. وهي ساعة مائية دقاقة صنعت من الجلد و النحاس الأصفر المنقوش.
وكانت هذه الساعة تدل على الوقت بفرسان من المعدن يفتحون كل ساعة بابا يسقط منه العدد المطلوب من الكرات على صنجة، ثم ينسحبون ويغلقون الباب. وقد أثارت هذه الساعة دهشة بلاط شارلمان وظنوا أن بها عفاريت يقومون بتحريك أجزائها وجعلها تدق في الوقت المناسب.
وقد وصف الغزالي هذه الساعات بقوله "فيه آلة على شكل أسطوانة تحوي قدرا معلوما من الماء، وآلة أخرى مجوفة موضوعة في هذه الأسطوانة فوق الماء، وخيط مشدود أحد طرفيه في هذه الآلة المجوفة، وطرفه الآخر في أسفل ظرف صغير موضوع فوق الآلة المجوفة، وفيه كرة وتحته طاس بحيث لو سقطت الكرة وقعت في الطاس وسمع طنينها، ثم ثقب أسفل الآلة الأسطوانية ثقبا بقدر معلوم ينزل الماء منه قليلا قليلا، فإذا انخفض الماء انخفضت الآلة المجوفة الموضوعة على وجه الماء فامتد الخيط المشدود بها فحرك الظرف الذي فيه الكرة تحريكا يقربه من الانتكاس إلى أن ينتكس فتدحرج منه الكرة وتقع في الطاس وتطن، وعند انقضاء كل ساعة تقع واحدة، وإنما يتقدر الفضل بين الوقعتين بتقدير خروج الماء وانخفاضه وذلك بتقدير سعة الثقب الذي يخرج منه الماء".
وفي القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، نقل الفلكي والرياضي المسلم ابن يونس تكنولوجيا الساعات نقلة فسيحة وذلك باختراعه البندول الذي استعمل في الساعات الدقاقة. وفي القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي، صنع الجزري ساعة أثبتها في أول كتابه الجامع بين العلم والعمل النافع ، وذكر كيفية صنعها. ونموذج هذه الساعة قريب الشبه بساعة باب جيرون- الباب الثاني للمسجد الأموي بمدينة دمشق .
وقد وصف الرحالة ابن جبير ساعة باب جيرون، والذي سمي "باب الساعات". فقال في كتابه رحلة ابن جبير "... وعن يمين الخارج من باب جيرون، في جدار البلاط الذي أمهمه، غرفة، ولها هيئة طاق كبير مستدير فيه طيقان صفر قد فتحت أبوابا صغارا على عدد ساعات النهار ودبرت تدابير هندسيا، فعند انقضاء ساعة من النهار تسقط صنجتان من صفر من فمي بازيين مصورين من صفر قائمين على طاستين من صفر تحت كل واحد منهما: أحدهما تحت أول باب من تلك الأبواب، والثاني تحت آخرها، والطاستان مثقوبتان، فعند وقوع البندقتين فيهما تعودان داخل الجدار إلى الغرفة، وتبصر البازين يمدان أعناقهما بالبندقتين إلى الطاستين ويقذفانهما بسرعة بتدبير عجيب تتخيله الأوهام سحرا، وعند وقوع البندقتين في الطاستين يسمع لها دوي، وينغلق الباب الذي هو لتلك الساعة للحين بلوح من الصفر، لا يزال كذلك عند كل انقضاء ساعة من النهار حتى تتغلق الأبواب كلها وتنقضي الساعات، ثم تعود إلى حالها الأول، ولها بالليل تدبير آخر، وذلك أن في القوس المنعطف على تلك الطيقان المذكورة اثني عشر دائرة من النحاس مخرمة وتعترض في كل دائرة زجاجة من داخل الجدار في الغرفة، مدبر ذلك كله منها خلف الطيقان المذكورة، وخلف الزجاجة مصباح يدور به الماء على ترتيب مقدار الساعة، فإذا انقضت عم الزجاجة ضوء المصباح وفاض على الدائرة أمامها شعاعها، فلاحت للأبصار دائرة محمرة، ثم انتقل ذلك إلى الأخرى حتى تنقضي ساعات الليل وتحمر الدوائر كلها. وقد وكل بها في الغرفة متفقد لحالها، درب بشأنها وانتقالها، يعيد فتح الأبواب وصرف الصنج إلى موضعها، وهي التي يسميها الناس المنجابة أي الساعة".
وهذه الساعة تعرف أيضا بساعة الوزير الساعاتي، نسبة إلى صانعها وهو رضوان بن محمد الساعاتي الخرساني الدمشقي، أحد وزراء عصره صنعها أيام الملك عيسى بن الملك العادل. وقد تعرضت لحريق عام 618هـ / 1282 م. ثم جددت بعد ذلك.
وفي عام 726 هـ / 1326 م. وصف الرحالة ابن بطوطة ساعات كانت على الباب الشرقي للجامع الأموي. اختلفت عن وصف ابن جبير. وصفة هذه الساعة كما ورد في كتاب ابن بطوطة أنه يكون "عن يمين الخارج من باب جيرون، وهو باب الساعات غرفة لها هيئة طاق كبير فيه طيقان صغار مفتحة لها أبواب على عدد ساعات النهار، والأبواب مصبوغ باطنها بالخضرة، وظاهرها بالصفرة، فإذا ذهبت ساعة من النهار، انقلب الباطن الأخضر ظاهرا والظاهر الأصفر باطنا، ويقال إن بداخل الغرفة من يتولى قلبها بيده عند مضى الساعات".
وقد انتشرت صناعة الساعات في عديد من المدن الإسلامية من مشرقها إلى مغربها. وفي فاس صنعت ساعة السلطان أبو عنان المريني عام 758هـ / 1357 م. وكانت هذه الساعة تسقط أوتوماتيكيا كل ساعة زمنية صنجة من النحاس في كأس من النحاس أيضا وفي نفس الوقت ينفتح الطاق الدال على الساعة الزمنية. ولا زالت بقايا هذه الساعة ماثلة في مدينة فاس ويقصدها السائحون من جميع الأنحاء.
وظل العرب يحسنون الساعات ويختصرون حجمها ويزيدون في دقتهـا حتى جعلوها ساعة حائط لا يزيد حجمها عن نصف ذراع. ففي القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي، استطاع العالم الرياضي ابن الشاطر أن يصنع ساعة صغيرة لا تزيد عن (30) سم، وأدخل فيها الآلات المعدنية، واستغنى عن الماء وآلاته الخشبية الكبيرة. فخرج بالساعات من دائرة الماء إلى دائرة الميكانيكا، ومن دائرة الخشب إلى دائرة المعدن.
تطور صناعة الساعات
ثم انتقلت تكنولوجيا الساعات من العرب إلى أوروبا وأخذوا يدخلون عليها التحسينات حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن. وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر توصل العلماء إلى سلسلة من الاختراعات أدت إلى زيادة دقة ساعات الحائط وقللت من وزن وحجم الآلات المستخدمة فيها. وفي أواخر القرن السادس عشر، استنبط جاليليو بعد تجارب عملية أن مدة ذبذبة الرقاص تتوقف على طول الرقاص وقيمة عجلة التثاقل، وساعد هذا القانون على توسيع مجال استعمال الرقاص. وفي عام 1086 هـ / 1675 م. أوضح الفيزيائي الهولندي كريستيان هويجينز كيفية استخدام رقاص الساعة في تنظيم عمل الساعة. وبعد ذلك بعشرة أعوام، اخترع الفيزيائي الإنجليزي روبيرت هوك شاكوش الساعة الذي أتاح استخدام بندول ذي قوس تذبذب صغير في ساعة الحائط. وقد طور هذا الشاكوش صانع الساعات الإنجليزي جورج جراهام عام 1083هـ-1673م / 1164 هـ-1751م كما طور جون هاريسون وسيلة لتعويض التغيرات في طول البندول والتي تنتج من جراء التغيرات في درجة الحرارة.