الطاعون مرض معد حاد يتسبب عن عدوى بميكروب يسمى باسيل الطاعون، وهو أصلا مرض يصيب الحيوانات القارضة كالجرذان وتنتقل عدواه بواسطة لدغ البراغيث التي تعيش متطفلة على هذه الحيوانات، وعندما تلدغ البراغيث فأرا مصابا بالطاعون تمتص قليلا من دمه المحمل بميكروبات المرض وتصبح قادرة على نقل العدوى إلى فأر سليم أو أي إنسان إذا لدغته.
ويبدأ الطاعون بارتفاع في درجة الحرارة مع صداع وإعياء شديدين ، ثم تظهر أعراض تسممية كاحتقان الوجه والعينين مع جفاف اللسان، ويبدو المريض قلقا مذعورا وتنتابه هلوسة يعقبها غيبوبة قد تنتهي بالوفاة . وفي النوع الدُّمَّلي منه يظهر في اليوم الثاني والثالث ورم التهابي بإحدى الغدد السطحية كالموجودة تحت الإبط أو في الرقبة ، ولذلك يسمى هذا النوع بالدملي لأن الغدد الملتهبة تزداد في الحجم وقد تتقيح أو تمتص حسب حالة المريض و درجة مقاومته ، وقد تسوء حالة المريض ، فتتسرب الميكروبات من الغدة الملتهبة إلى الدم وتحدث تسمما ميكروبيا ، وقد تتسرب الميكروبات إلى الرئتين فتحدث فيهما التهابا رئويا ، وهنا يعتبر التسمم أو الالتهاب الرئوي مضاعفات للحالة الأصلية . وتبدأ الإصابة التسممية عندما تكون العدوى شديدة ومقاومة المريض ضعيفة .
والطاعون الرئوي أخطر أنواع المرض على المريض ومخالطيه، لأنه ينتشر بواسطة الرذاذ المتناثر من فتحتي الفم والأنف عندما يسعل المريض ، ونظرا لعدم وجود مناعة ضد العدوى بميكروب الطاعون فإن إصابة الإنسان بواسطة هواء الشهيق يحدث به التهابا رئويا مميتا. والطاعون الرئوي هو النوع الوحيد الذي يمكن أن تنتقل عدواه من المصاب إلى السليم، أما الطاعون الدملي والطاعون التسممي إذ يصاب الإنسان به عن طريق لدغ برغوث أو فأر معد ، كما أن برغوث الإنسان لا ينقل العدوى من مريض إلى سليم. ويعالج مرضى الطاعون بمركبات السلفا وبعض مبيدات الجراثيم، وبخاصة في النوع الدملي، وتستعمل نفس العقاقير في وقاية المخالطين والمعروفين للعدوى. وباكتشاف مادة د. د. ت والجامكسان وغيرهما من المبيدات الحشرية التي ترش بها المساكن لقتل البراغيث الناقلة للعدوى، تطورت طرق مقاومة المرض .
ومن أشهر الأطباء المسلمين الذين تناولوا بالتسجيل والمراقبة مرض الطاعون ابن خاتمة الطبيب الأندلسي، وكان ذلك عندما انتشر الطاعون في الأندلس قادما من آسيا عام 749هـ /1347 م حيث اجتاح الطاعون أو كما يطلق عليه الأطباء "الوباء الأعظم" آسيا وحوض البحر المتوسط إلى أن وصل إلى سواحل الأندلس في ربيع ذات العام. وقد تناوله ابن خاتمة بالبحث والمتابعة معتمدا على منهج علمي في مراقبة المرضى على متابعة المرض وأعراضه وكيفية انتقاله وعلاماته الأولى، وسجل كل ذلك في كتاب له بعنوان: تحصيل غرض القاصد في تفصيل المرض الوافد ، ويعد هذا الكتاب أدق ما كتب عن مرض الطاعون في العصور الوسطى، وقد اهتم به المستشرقون وتناقلوه بينهم وأصبح مرجعا أساسيا في بدايات عصر النهضة بأوربا فكان يُدرس ويمتحن فيه الطبيب قبل إجازته في الطب.